ليست الغاية من السؤال هنا هي تحديد المؤمن من الكافر أو معرفة من سيدخل الجنة ممن سيدخل النار. ليست الغاية هنا تحديد منطقية الإسلام أو عدم منطقيته وليست الغاية إقامة الحجة أو إقعادها. ولكن الغاية هي البحث في مختلف ألوان الثقافة الجامعة التي تربط سكان المنطقة ببعض والتي لها علاقة بقدرتهم على تقوية الروابط فيما بينهم أو إضعافها.
فهم طبيعة “الإسلام” الذي ينتمي إليه سكان المنطقة مهمة جداً لمعرفة طاقة البناء الموجودة في الدين وكيف يمكن الاستفادة من إيجابيتها ومعرفة الخطر من توظيفها بشكل سلبي.
هذه الحلقة سيكون لها ملاحق كثيرة في المستقبل بالتدريج وهذا ما سيسمح بالتعامل الواعي والمفيد مع قضايا شديدة الحساسية.
هل نحن مسلمون؟
هذا السؤال منذ البداية يمكن أن يفهم بعدة أشكال هذه الأشكال قد تعطيه إجابات متناقضة.
من بين هذه الأشكال:
1- الشكل المبني على أساس الانتماء لكتلة مجتمعية معينة:
الإنسان اجتماعي بطبعه وهو يعيش عادة ضمن مجتمع إنساني.تحاول كل كتلة مجتمعية بشرية أن تقوم بتثقيف أولادها بمفاهيم وقيم وتصورات عن الكون وعن البيئة من حولهم وتدرِّبهم على ممارسات وعادات. هذه المفاهيم والقيم والتصورات والممارسات والعادات تسمح لهم ببناء علاقات جماعية فيما بينهم هذه العلاقات تؤمن لهم مصالحهم المتكاملة وتؤمن استمرارهم. يشكل الدين بشكل عام (والدين الإسلامي بشكل خاص) في منطقتنا مجموعة مهمة جداً من تلك المفاهيم والقيم والتصورات والممارسات والعادات التي تربط الكتل المجتمعية ببعضها. بهذا المعنى يكون المسلم مسلماً لأن أبويه مسلمان وهو يستمر بحمل مجموع تلك المفاهيم والقيم والتصورات والممارسات والعادات يؤمن بها ويمارسها ويورثها لأبنائه من بعده. فترى الشخص حريصاً على القيام بالأعمال التجارية المشروعة وحريصاً على لقمة الحلال وعلى احترام الوالدين والجار وعلى أداء صلاة الجمعة.. الخ..
2- الشكل المبني على أساس قبلي أو قومي:
هو شكل خاص من الشكل الأول قد حيث يولد لأبوين مسلمين في مناطق يتم تصنيف سكانها مناطقياً وعرقياً وبالوراثة على أساس أنهم مسلمون؟ ولكن هذا الشخص غير ملتزم تماماً بتلك المفاهيم وبالممارسات المجتمعية التي يقال عنها إسلامية. فيمكن أن تراه يصوم ولا يصلي أو لا يصوم ولا يصلي، ولكن فيما لو حدث شجار بين جاره الوثني وجاره المسلم لوقف مباشرة بجانب جاره المسلم بغض النظر عن كونه على حق أو على باطل.
3- الشكل المبني على أساس ثقافي:
هناك ثقافة مجتمعية عامة منتشرة في المنطقة لها علاقة بالإسلام قد لا يكون المنتمي لهذه الثقافة مسلماً ملتزماً أو حتى مسلماً بالأساس. فمثلاً يشكّل القرآن الكريم الأساس الذي بنيت فوقه قواعد اللغة العربية واللغة العربية هي لغة الحضارة الإنسانية في القرون الوسطى وهي اللغة الثقافية لقطاعات إنسانية واسعة وأي مهتم باللغة العربية يكون متفاعلاً بشكل أو بآخر مع القرآن الكريم. إن الألفاظ التي يستخدمها عموماً أي شخص في المنطقة مهما كان دينه أو مذهبه تراها حافلة بالمصطلحات الإسلامية مثل “إن شاء الله” “الله يعطيك العافية” “زكاة عافيتك”. إن هذه المصطلحات تؤثر في تفكير الشخص وفي سلوكه ولذا فإن الشخص (ولو لم يكن مسلماً) في المجتمعات الإسلامية كثيراً ما يكون ملتزماً بالإحسان إلى جاره وباحترام والديه وباحترام كبار السن .
4- الشكل المبني على أساس بحثي:
هو شكل يعطي فيه الشخص لنفسه الوقت الكافي ليفكر بالحياة والموت. ليفكر بالجمادات والكائنات الحية. ليفكر بتميز الإنسان. ليفكر بقدرة الإنسان على استيعاب البيئة المحيطة والتحكم بها. ليفكر بالقدرة الإلهية التي نراها في الإبداع المتجسد في المخلوقات من حولنا. ليفكر بمسؤولية الإنسان الناتجة مباشرة عن قدرته على التحكم بما حوله. ليفكر في النص القرآني وليفكر بظروف الرسالة وبمحتوى الرسالة الإلهية. ليفكر بالظروف التي رافقت الرسالة التي حملها رسول الإسلام. ليتأمل بالثقافات الموجودة في العالم ومن بعدها ليختار الدين عن دراسة وإيمان لا يتوقفان أبداً، بل يتعمقان مع الزمن
إن معظم سكان المنطقة ينتمون بنسب متفاوتة إلى شكل أو إلى عدة أشكال من أشكال الانتماء المذكورة. وهذا ما يساهم بإعطائهم قواسم ثقافية مشتركة، ولكنها ليست واحدة. إن تحديد طبيعة أشكال انتماءات سكان المنطقة للدين وللإسلام بشكل خاص سيسمح لنا بالتعاون على الاستفادة منها بشكل إيجابي وتجنب توظيفها بشكل سلبي. وهذا ما سنتطرق إليه بالتدريج إن شاء الله